responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 748
وَظَنَّتْ جَهَالَتُهَا علما فَلم ينجع فِيهَا إِصْلَاحٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَرَى الْمُصْلِحِينَ قَدْ أَتَوْا بِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ الْأَوَّلُونَ فَقَالُوا: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف: 23] .
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ الْمَحْكِيُّ بِقَوْلِهِ: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ أَمَرَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ ذَلِكَ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي فِي كُتُبِهِمْ عَسَى أَنْ يُرَاجِعُوا أَنْفُسَهُمْ وَيُعِيدُوا النَّظَرَ إِنْ كَانُوا مُتَرَدِّدِينَ أَوْ أَنْ يَفِيئُوا إِلَى الْحَقِّ إِنْ كَانُوا مُتَعَمِّدِينَ الْمُكَابَرَةَ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنَ اللَّهِ ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْ شَهَادَةٌ عِنْدَهُ بَلَغَتْ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ. وَالْوَاوُ عَاطِفَةُ جُمْلَةِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عَلَى جُمْلَةٍ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ.
وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ التَّقْرِيرِيُّ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ اغْتِرَارِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَأَبْنَاءَهُ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى وَلَيْسَ هَذَا احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بَقِيَّةُ مَقُولِ الْقَوْلِ وَهُوَ تَهْدِيدٌ لِأَنَّ الْقَادِرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ غَافِلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ مِنَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظَائِرُ هَذَا فِي مَوَاضِع.
[141]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141)
تَكْرِيرٌ لِنَظِيرِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ آنِفًا لِزِيَادَةِ رُسُوخِ مَدْلُولِهِ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ اهْتِمَامًا بِمَا تَضَمَّنُهُ لِكَوْنِهِ مَعْنًى لَمْ يَسْبِقْ سَمَاعُهُ لِلْمُخَاطَبِينَ فَلَمْ يَقْتَنِعْ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمِثْلُ هَذَا التَّكْرِيرِ وَارِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ لَبِيدٌ:
فَتَنَازَعَا سَبِطًا يَطِيرُ ظِلَالُهُ ... كَدُخَانِ مُشْعَلَةِ يُشَبُّ ضِرَامُهَا

مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابِتِ عَرْفَجٍ ... كَدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُهَا (1)
فَإِنَّهُ لَمَّا شَبَّهَ الْغُبَارَ الْمُتَطَايِرَ بِالنَّارِ الْمَشْبُوبَةِ وَاسْتَطْرَدَ بِوَصْفِ النَّارِ بِأَنَّهَا هَبَّتْ عَلَيْهَا رِيحُ الشَّمَالِ وَزَادَتْهَا دُخَانًا وَأَوْقَدَتْ بِالْعَرْفَجِ الرَّطِيبِ لِكَثْرَةِ دُخَّانِهِ، أَعَادَ التَّشْبِيهَ ثَانِيًا لِأَنَّهُ غَرِيب مبتكر.

(1) الضَّمِير الْمثنى لحِمَار الْوَحْش وإتانه الْمَذْكُورين فِي قَوْله قبله «أَو ملمع وسقت لَا حقب لاحه» وَمعنى تنَازعا تسابقا فِي غُبَار ممتد والسبط الطَّوِيل يَعْلُو ظله فِي الشَّمْس والمشعلة صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي نَار والمشمولة الَّتِي هبت عَلَيْهَا ريح الشمَال ونابت العرفج الْجَدِيد نَبَاته، والعرفج نبت مَعْرُوف. [.....]
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 748
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست